آثارها الخوف والارتجاف والاحمرار خجلاً
كيمياء الحب: حقيقة علمية أم هرطقة بشرية؟
قال لها أحبكِ
فتحولتْ إلى فراشةٍ
وأنجبتْ آلاف
الأشجار
قالت له أحبكٓ
فتحوّل إلى شاعر
وأنجب ملايين
القصائد
هذه كلمات قصيدة تحت عنوان كيمياء الحب، الأمر الذي دفعني إلى التساؤل هل للكيمياء أي علاقة بالحب؟
سؤال دفعني إلى البحث، علّني أجد إجابة منطقية واقعية علمية... وإليكم النتيجة....
عندما تُقاد شرارة الحب بين الحبيبن، نسارع إلى إرجاع أسبابها وأسباب التناقض الغريب العجيب اللطيف في مشاعرنا، إضافة إلى التناغم والهيام بينهما إلى الكيمياء.
الأمر الذي يعتقد الكثير منا بأنّه لا يخرج عن مجرد تشبيه لفظي، فلا أحد يمكن أن يصدّق أنّ أساس شرارة الحب هذه ما هو إلا عملية كيميائية حقيقية، فوحدها الكيمياء هي التي تتسبّب بتعرّق راحتي اليدين، إضافة إلى تلك المشاعر الغريبة كالشعور بمعدتنا وهي تقفز من مكانها، تسارع في عدد ضربات القلب، وعصبية من دون وجود ما يستدعيها.
كيف بدأ الامر؟
في أواسط العقد السادس من القرن الماضي، قامت المحللة النفسية دوروثي تينفو بعملية مسح شملت نحو 400 شخص، طلبت منهم وصف الحب.
فجاءت إجابات الكثيرين منهم لتتحدّث عن الخوف، والارتجاف، والاحمرار خجلاً، والشعور بالضعف، وتغيير في نبرة الصوت.
بالفعل هذا ما يحدث عندما ينجذب الحبيبان إلى بعضهما بعضًا، و ذلك بسبب اشتعال فتيل عدد من التفاعلات الكيميائية في الدماغ وفي الجسم.
لكنّ هذا الأمر لا يحصل بشكل عبثي، إذ هناك تفسيرات منطقية وعلمية لهذه الأحاسيس والمشاعر الجميلة.
واحد من أكثر المركّبات الكيميائية المرتبطة بالحب وبمشاعره، هو الفينيل إيثيل أمينPhenyl Ethylamine ، الذي نجد كميات ضيئلة منه في الدماغ، والفينيل إيثيل أمين هو أمفيتامين طبيعي، له تأثير يشبه تأثير المخدّر، الأمر الذي يعطيك الطاقة حتى تبقى الليل بطوله مستيقظًا للتحدّث مع الحبيب الجديد.
الشعور بالتخدير
لا يقتصر إفراز الدماغ لهرمونات الحب عند اختبارنا للحظات الرومانسية فقط، بل يفرزها أيضًا عند قيامنا بنشاطات غير رومانسية، وتحديدًا خلال ممارستنا لنشاطات تحتاج إلى بذل جهد جسدي كبير مثل التزلج، أو لمجرّد قيامنا بعدد من النشاطات التي نحبّها كأكل الشوكولا مثلاً، التي وتبعا لأحد المواقع الالكترونية الخاصة بمحبي الشوكولا، فإنّها تحتوي على كميات صغيرة من مخدّر الحب، الفينيل ايثيل امين، ما يفسّر سبب إدمان البعض أو حبّهم للشوكولا إلى حد الجنون، ما دفع خبراء التغذية إلى تصنيفها ضمن لائحة الأطعمة التي تساعدنا على الاسترخاء و الشعور بالراحة Comfort Food.
هذا ويتسبّب إفراز الفينيل إيثيل أمين، بتحفيز الجسم على إفراز مادة كيميائية عصبونية هي الدوبامين، التي وكما أظهرت دراسة حديثة جرت في جامعة أموري، قيام إناث جرذان الحقل، باختيار أزواجهن بعد إفراز أدمغتهن لمادة الدوبامين، وتابعت الدراسة أنّه بعدما قام الفريق المشرف عليها بحقن انثى الجرذ بالدوبامين بوجود جرذ ذكر، تمكّنت فيما بعد من التعرّف على الجرذ نفسه عندما كان ضمن مجموعة من الجرذان.
أمّا على صعيد البشر، فيؤدّي تناولنا أطعمة الحب كالشوكولا إلى رفع معدل الدوبامين في أدمغتنا، ما يؤدّي إلى دفع وتعزيز عملية إنتاج الأوكسيتوسين، الذي يطلق عليه في بعض الأحيان اسم "مادة العناق الكيميائية"، اذ يعرّف العلماء دور هذه المادة في عملية الامومة، وفي تسبّبها بانقباضات المخاض، بالإضافة إلى دوره الأساس في عملية الرضاعة الطبيعية، فتبعًا لموقعbirthpsychology.com ، يؤمن العلماء أنّ كلا الجنسين يفرزان هذا الهرمون عندما يتلامسان و يتعانقان، بينما تصل قمة هرمون الأوكسيتوسين عند الوصول الى النشوة الجنسية.
هذا وتضمّ لائحة هرمونات الحب، هرمونًا إضافيًا وهو النوريبينيفرين، الذي يدفع الجسم إلى إنتاج الأدرينالين، ما يتسبّب برفع أو بتحليق معدّلات ضغط الدم (الحبيبين)، خاصة عندما تتواجد بالقرب من الحبيب (ـة)، ما يفسّر سبب إمكانية اختبارنا لمشاعر مثل انتفاض القلب من مكانه وتعرّق راحتي اليد.
بماذا يخبر الدماغ القلب؟
كيف يقوم الجسم بترجمة هذه العمليات الكيميائية الى مشاعر حسية أو جسدية؟
الأمر الذي تجيب عليه دراسة أميركية تشرح أهمية عصب الفاغوس الذي يطلق عليه بالعربية اسم العصب الحائر أو المبهم، الذي يصل إلى أرجاء الجسم كافة.
اذ يقوم هذا العصب بنقل الإشارات من الدماغ إلى كل أعضاء الجسم، ما يؤدّي إلى تسارع ضربات القلب، فتشعر وكأنّه سيخرج من بين أضلعك، إضافة إلى شعورك بانقلاب معدتك رأسًا على عقب، وطبعًا بالإثارة الجنسية.
يعرف الجميع هذا الشعور الذي يُطلق عليه الخبراء في الحب اسم الوثبة، حيث نشعر إلى حد ما باضطراب في المعدة، شعور يطلق عليه بعضهم اسم الشعور "المجوف"، يظهر في المنطقة الموجودة بين أسفل البطن والقلب.
وقد أوردت دراسة ثانية مبدأ "التفكير التطفلي"، حيث يقوم دماغك بالتركيز على الشخص الذي يجذبك، أو الشخص الذي تهتمّ لأمره.
عندما يقوم القلب بالتحكّم بالعقل، فإنّ ما يحصل في الواقع هو تحكّم جزء من العقل ببقية الأجزاء، فاللحاء هوالمنطقة الدماغية المسؤولة عن التفكير المنطقي، بينما يُعتبر الجهازالحافي أو Limbic System المسؤول عن التحكّم بالعواطف.
لكن إفراز الدماغ كمية كبيرة من الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالسعادة مثل الفينيل إيثيل أمين والدوبامين، يعطي السيطرة للجهاز الحافي.
لماذا ينتهي شهر العسل بين الحبيبين؟
تفيد الدراسات أنّه بعد مرور فترة من الزمن تتراوح بين 18 شهرًا و 4 سنوات، يعتاد الجسم على محفّزات الحب هذه.
فخلال هذه الفترة يعمد الدماغ إلى إنتاج الاندروفينات، التي تعمل بطريقة معاكسة للفينيل إيثيل أمين، حيث تعمل على تهدئة الدماغ، قتل الوجع، والتخفيف من التوتر.
لذا فإنّ ما نطلق عليه اسم وجع الفراق، ما هو إلا شكل من أشكال سحب المخدر من الجسم.
بمعنى آخر خلال فترة شهر العسل في أي علاقة حب، يكون الدماغ معبأ على آخره بالهرمونات الكيميائية المسؤولة عن الحب، أكثر من أي وقت في السنوات التي تلي هذه الفترة، الأمر الذي يفسّر عدم قدرة البعض على الانخراط في علاقات حب طويلة الأمد.
لهذا السبب وجدت إحدى الدراسات أنّ نسبة الطلاق بين أي زوجين ترتفع لتصل إلى القمة خلال السنة الرابعة من الزواج.
لكنّ هذا الامر لم يحصل على إجماع الخبراء، اذ يشير بعضهم الى أنّ الحب يحتاج إلى التجديد، وأنّ الاشخاص الذين يفشلون في علاقاتهم، ما هم إلا أشخاص يعانون الخمول والكسل بعد مرور فترة من بداية علاقاتهم.
كل ما سبق يطرح امامنا تساؤلاً وهو: هل تخمد شرارة الحب نتيجة خمول الحبيبين، أو نتيجة تعوّدهم و بروز مناعة لديهم ضدّ المواد الكيميائية المسؤولة عن الحب التي يفرزها الدماغ؟
في النهاية يتفق العلماء على أنّ الكيمياء ليست كل شيء، فالثقافة، الظروف، الشخصية، ومجموعة أخرى من المتغييرات، كلّها أمور تحدّد شخصية الشريك (ـة).
لهذا السبب لا تحاول عزيزي القارئ، الطلب من صديقك الكيميائي تركيب مركّبات الحب الكيميائية لك في المختبر، لكن حاول القيام بأفضل ما لديك للتمتع بالسعادة الطبيعية التي تمنحك إياها الحياة